بسم الله الرحمن الرحيم
والسلآم عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أبو القاسم الزهراوي الطبيب المسلم الذي نقلت أوربا علومه الطبية إلينا
الزهراوي وهو العالم الطبيب المسلم أبو القاسم خلف بن العباس الزهراوي (936 - 1013)، المولود في مدينة الزهراء بالأندلس المحتلة من الأسبان عام 936 م. عرف في الغرب باسم أبولكاسس( Abulcasis ) . ويعتبر أشهر جراح مسلم في العصور الوسطى، والذي ضمت كتبه خبرات الحضارة الإسلامية وكذلك الحضارتين الاغريقية والرومانية من قبله. كتب الزهراوي كانت أساس الجراحة في أوروبا حتى عصر النهضة. ويعتبر الزهراوي أبو الجراحة.
وأعظم اسهام له في الحضارة الإنسانية كان كتاب "التصريف لمن عجز عن التأليف"، والذي تألف من 30 مجلدا من الممارسات الطبية.
ويُعدُّ من أعظم جراحي العرب على الإطلاق لهذا لقِّب "بجرَّاح العرب الأعظم"، وعلى المستوى العالمي يعتبر الزهراوي من أكبر الجرَّاحين الذين أنجبتهم البشرية عبر العصور والأزمان، ولم تقدر السنون ولا الأيام طمس آثار هذا العالم الفذ، فلقد ترك موسوعة طبية ضخمة سماها "التصريف لمن عجز عن التأليف" وهي موسوعة كثيرة الفائدة، تامة في معناها، لم يؤلف في الطب أجمع منها، ولا أحسن للقول والعمل، وتعتبر من أعظم مؤلفات العرب الطبية، وصفها البعض
أدوات صنعها الزهراوي لكي يرثها المسلمون
بأنها دائرة معارف، وقال آخرون إنها ملحمة كاملة.
وقد قسّم الزهراوي موسوعته إلى ثلاثة أقسام تتضمَّن ثلاثين باباً:
القسم الأول: للأمراض والتشريح.
القسم الثاني: للأدوية والعقاقير وأفرد منه مقالة للمقاييس والمكاييل ومقالة للتغذية وأخرى للزينة.
القسم الثالث: خصّه للجراحة وفنونها.
برع الزهراوي بفن الجراحة حتى أصبحت مؤلفاته الجراحية هي المرجع الأول للأطباء العرب والأوروبيين ولعدة مئات من السنين، وابتكاراته الجراحية رفعت من شأن هذا الاختصاص، في وقت كانت فيه أوروبا تخضع لقرارات الكنيسة التي تُحرِّم تدريس الجراحة في مدارس الطب، وتصف الأطباء الذين يمارسونها بأنهم حقيرون وغير شرفاء، ولهذا أجمع مؤرخو الطب العربي من الأوروبيين بأن للعرب وحدهم وعلى رأسهم الزهراوي الفضل الأول في تطور الجراحة بمفهومها الجديد، فالمستشرقة الألمانية "زيغريد هونكه" بكتابها "شمس العرب تسطع على الغرب" تقول بهذا الخصوص: "إن هذا الفرع بالذات يدين للعرب بتقدمه وصعوده من مرتبة مهنة الجزارين إلى القمة، وإليهم وحدهم يعود الفضل برفع هذا الفن العظيم للمستوى الذي يستحق، وفضل بقائه".
- سنعرض بهذه العجالة أهم العناوين البارزة في موسوعته وما قدمته من مساهمات ضخمة في مسيرة الحضارة الإنسانية:
* يعتبر الزهراوي أول من أسَّس علم الجراحة بعدما وضع له منهجاً علمياً صارماً لممارسته العملية يعتمد بشكل أساسي على معرفة دقيقة بعلم التشريح.
* هو أول من شرح مرض نزف الدم المسمى "هيموفيليا" وشرح كيفية انتقاله وراثياً.
* للزهراوي إضافات هامة جداً في علم طب الأسنان وجراحة الفكين، وأفرد لهذا الاختصاص فصلاً خاصاً به، شرح كيفية قلع الأسنان بلطف وأسباب كسور الفك أثناء القلع وطرق استخراج جذور الأضراس، وطرق تنظيف الأسنان وعلاج كسور الفكين والأضراس النابتة في غير مكانها، وبرع في تقويم الأسنان حيث استعمل خيوطاً من الذهب والفضة.
* هو أول من كتب عن علاج عاهات الفم الخلقية وتشوهات الأقواس السنية وعلاج القطع اللحمية الزائدة في اللثة، وأول من استعمل آلة خاصة لاستئصال الثآليل النابتة في الأنف ولقطع الرباط تحت اللسان الذي يعيق الكلام وقطع ورم اللهاة واستئصال اللوزات وعلاج الضفدع المتولد تحت اللسان، كل هذا مع الشرح المفصل إضافة إلى الصور التي تشرح كيفية إجراء العمليات مع رسوم لكل الأدوات الجراحية الضرورية لكل عملية، إضافة إلى الأدوية التي توقف النزف بحال حدوثه، هذا ما جعل العالم الأمريكي المؤرخ في طب الأسنان (ABSELL) أن يعتبر الزهراوي من أشهر أطباء الأسنان وجراحة الفكين في القرن العشرين.
* ما كتبه الزهراوي في التوليد والجراحة النسائية يعتبر كنزاً ثميناً في علم الطب، حيث يصف وضعيتي ( TRENDELEMBURE - WALCHER ) الهامتين من الناحية الطبية، إضافة إلى وصف طرق التوليد واختلاطاته، وطرق تدبير الولادات العسيرة، وكيفية إخراج المشيمة الملتصقة والحمل خارج الرحم وطرق علاج الإجهاض وابتكر آلة خاصة لاستخراج الجنين الميت، وسبق د. فالشر بنحو 900 سنة في وصف ومعالجة الولادة الحوضية، وهو أول من استعمل آلات خاصة لتوسيع عنق الرحم، وأول من ابتكر آلة خاصة للفحص النسائي لا تزال إلى يومنا هذا.
* في الجراحة العظمية له العديد من المآثر العلمية التي لا يزال جزء منها يتَّبع حتى الآن، ومنها: معالجة انتشار داء السِّل إلى الفقرات أو ما يتعارف عليه الأطباء اليوم بداء بوت نسبة إلى د. بوت، وكان الزهراوي قد سبقه إلى اكتشافه وعلاجه بنحو 700 سنة، كما وصف أربعة طرق لرد خلع مفصل الكتف ومنها الطريقة المعروفة اليوم باسم "KOCHER "، بالإضافة إلى العديد من طرق العمل الجراحي بهذا المجال.
* شرح الزهراوي كيفية قطع الإصبع الزائدة وشق التحام الأصابع، كما وصف عملية بتر فلكة الركبة، وعملية كيس الماء في الخصية والفتوق الجراحية، وأبحاث في جراحة العين والأذن، حيث اخترع آلة لمعالجة الناسور الدمعي، وكيفية خياطة جروح القصبة،كما شرح بشكل مفصّل العلاج الجراحي للثدي المتضخم عند الذكور، ووصف طرق استئصال الثدي المصاب بالسرطان عند المرأة وشدَّد على ضرورة كي حواف الجرح منعاً لنكس الورم، وقيل أن الطريقة الجراحية التي استعملها يمكن وضعها بأي مرجع حديث.
* الزهراوي هو أول من أجرى عملية شق الرغامى.
* هو أول من استدرك ضرورة ربط الشرايين قبل عمليات البتر أو خلال العمليات الجراحية منعاً لحدوث النزف، وسبق امبرواباري الذي ادعاه لنفسه بنحو 600 سنة.
* هو أول من أدخل القطن في الاستعمال الطبي.
* هو أول من استعمل خيوط "الحمشة" ( CAT GUT ) التي تستعمل حالياً في العمليات الجراحية والتي تمتاز بامتصاص الجسم لها، ولا تحتاج لفك القطب والتي لها أهمية فائقة خصوصاً في الجراحات الداخلية، واستخرج هذه الخيوط من أمعاء بعض الحيوانات (القطط والكلاب) واستخدمها خاصة في جروح المعدة والأمعاء، وبعد مرور ألف عام لا يزال الطب الحديث يستخدم نفس الأسس لتصنيع هذا النوع من الخيوط الهامة كثيراً في كافة الاختصاصات الجراحية.
* هو أول من استعمل الخياطة التجميلية تحت الجلد، وأول من استعمل الخياطة بإبرتين وخيط واحد، وأول من ابتكر الخياطة المثمنة، وهذه أمور هامة جداً في فن الجراحة.
* هو أول من وصف وضعية ترندلنبورغ في العمليات الجراحية والتي نسبت إلى هذا العالم بلا حق إذ أنَّ الزهراوي سبقه بنحو 800 سنة.
* وفي علم المسالك البولية تتجلَّى عبقرية الزهراوي، فهو أول من ابتكر القسطرة البولية واستعملها لتصريف البول أو لغسل المثانة أو لإدخال بعض العلاجات الموضعية بداخلها، ويبدع بوصف عمليات استئصال حصيات المثانة جراحياً أو تفتيتها بآلات خاصة رسمها في موسوعته، كما يصف عمليات استخراج حصيات مجرى البول عند الذكور، والشقوق الجراحية داخل المهبل لاستئصال حصيات المثانة والإحليل عند النساء.
* الزهراوي هو أول رائد للطباعة، فأبدع في هذه الصناعة الحضارية قبل غوتنبر الألماني الذي يُنسب إليه هذا الإبداع، ولأول مرة في تاريخ الطب والصيدلة يقدم الزهراوي قبل ألف عام وصفاً دقيقاً لكيفية صنع حبوب الدواء وطريقة صنع القالب الذي تطبع فيه أو تحضر بواسطته أقراص الدواء، فيقول: "… على لوح من الأبنوس أو العاج يُعدُّ ثم يُنشر إلى نصفين طولاً، ثم يُحفر في كلِّ وجه قدر نصف القرص ( نظراً للحاجة الطبية أحياناً لاستعمال نصف القرص)، ثم يُنقش على قعر أحد الوجهين اسم القرص المراد صنعه مطبوعاً بشكل معكوس، ليكون النقش مقروءاً عند خروج الأقراص.."، يلاحظ وبلا ريب بأنه هو المؤسس والرائد الأول لصناعة الطبابة وصناعة أقراص الدواء، ولكن هذا الحق الحضاري اغتصب منه.
* أبحاثه وعلاجاته في السرطان تدهش جراحي عصرنا الحاضر رغم بدائية وسائل التشخيص آنذاك والتي لا يمكن مقارنتها مع ما هو متوفر في أيامنا.
* من الممتع جداً لكل العاملين في المجال الطبي الإطلاع على صور (250 صورة) الآلات الجراحية التي استنبطها للعمل بها في عملياته، مع وصف دقيق لكيفية استعمالاتها وطرق تصنيعها، وإليه يعود اختراع منظار المهبل المستخدم حالياً في الفحص النسائي، كذلك رسم صوراً للحقن المعدنية التي استعملها لإدخال الأدوية إلى المثانة، وأجهزة الاستنشاق، وجبائر الأذرع، وملاعق خاصة لخفض اللسان وفحص الفم، كما ابتكر مقاشط وكلاليب خاصة مع الشروحات اللازمة لمكان وطرق استخدامها.
* ذكر الزهراوي طرق التخدير التي استعملها في عملياته الجراحية، وذلك بواسطة الإسفنجة المخدرة، ومن المواد التي استخدمها (الحشيش، الزؤان، نبتة ست الحسن).
* كذلك يذكر طرق التعقيم للأدوات الجراحية وتطهير الجروح والضمادات بطرق لا تختلف أبداً عن مبادئ الطب الحديث.
* تُرجمت موسوعته "التصريف لمن عجز عن التأليف" إلى كثير من لغات العالم ولمراتٍ عديدة وكان آخرها في العام 1908، واعتمدت في كل المدارس الطبية في الشرق كما في الغرب، ولا يزال هناك 40 نسخة مخطوطة من هذه الموسوعة الخالدة.
* اقتفى أثره الجراحون مثل الفرنسي الشهير "GUY DE CHAULIAC" (1363 م) الذي استشهد به أكثر من 200 مرة بكتابه، كذلك فعل العالم “PARE “، والبعض نسب بعض الأعمال لنفسه مثل نقولا السالزني، كلّ هذا جعل المؤرخ الشهير ماكس مايرهوف يقول في كتابه "تراث الإسلام": إن مؤلفات الزهراوي الجراحية وضعت أسس الجراحة في أوروبا والعالم.
* الجدير ذكره أنَّ الكتب الأجنبية تناقلت اسمه بعدة أشكال أشهرهاABULCASIS - ALBUCASW .
* تخليداً لأعماله في مدينة قرطبة الإسبانية شارع يخلِّد اسمه، كذلك أطلق اسم هذا العبقري على كثيرٍ من المستشفيات والمدارس والشوارع والساحات في الدول العربية والإسلامية.
اختراعاته واكتشافاته
ويقول الزهراوي "السرطان إنما سُمِّيَ سرطانًا لشبهه بالسرطان البحري، وهو على ضربين: مبتدئ من ذاته، أو ناشئ عقب أورام حارة.. وهو إذا تكامل فلا علاج له ولا برء منه بدواء ألبتة إلا بعمل اليد "الجراحة أو الكي" إذا كان في عضو يمكن استئصاله فيه كله بالقطع.. والسرطان يبتدئ مثل الباقلاء ثم يتزايد مع الأيام حتى يعظم وتشتد صلابته، ويصير له في الجسد أصل كبير مستدير كَمَدُ (متغير) اللون، تضرب فيه عروق خُضر وسُود إلى جهة منه وتكون فيه حرارة يسيرة عند اللمس".
وقد فصل الزهراوي ثلاثة أنواع من السرطان هم:
سرطان العين: حيث يذكره الزهراوي في كتابه "التصريف لمن عجز عن التأليف"، ويقول: في الفرق بين سرطان القرنية وسرطان البدن "أنه إذا ما حدث في العين لزمه وجع شديد مؤلم مع امتلاء العروق والصداع وسيلان الدموع الرقيقة، ويفقد العليل شهوة الطعام ولا يحتمل الكحل، ويؤلمه الماء، وهو داء لا يبرأ منه، لكن يعالج بما يسكن الوجع".
• انفرد الزهراوي بذكر سرطان الكلى بشكل صريح؛ إذ قال: "الصلابة على نوعين إما أن تكون ورمًا سرطانيًّا، وإما أن يكون التحجر من قبل الإفراط في استعمال الأدوية الحادة عند علاج الورم، وعلامة الصلابة فقْدُ الحس بدون وجع ويحس العليل بثقل شديد وكأن شيئاً معلقا بكليته العليا إذا اضطجع، ويكون الثقل أكثر من خلف من ناحية الخاصرة، ويتبع ذلك ضعف الساقين وهزل البدن واستسقاء، ويكون البول يسير المقدار رقيقا غير ناضج.
• سرطان الرحم: يذكر الزهراوي عنه أنه على نوعين إما متقرح وإما غير متقرح، وعلامته أن يكون فيما يلي فم الرحم جاسيا (صُلبًا) ليس بالأملس، ولونه كلون الدرد إلى الحمرة وربما كان إلى السواد ويعرض معه وجع شديد عند الأربيئتين (أصل الفخذين) وأسفل البطن والعانة والصلب، وعلامة المتقرح سيلان الصديد الأسود المنتن منه، وربما سال منه شيء مائي أبيض وأحمر وربما جاء منه دم".
وبالرغم من أن الحديث عن الزهراوي دائما ما ينصرف لإسهاماته في الجراحة، فقد كان طبيبا متميزا في المجالات الطبية الأخرى كما يتضح من تغطيته لها في كتابه